كتابات وآراء


01 أبريل, 2017 02:19:00 م

كُتب بواسطة : فريده احمد - ارشيف الكاتب


لن أنسى صراخ نساء المبنى الذي كنت أقطن فيه بصنعاء ذات صباح, جرّاءقصف "جبل عطّان" المكدس بمخازن الأسلحة من قبل طيران التحالف, أسلحة راحضحيتها الكثير من المدنيين من بينهم نساء كنت أسمع عن قصصهن المروّعة من أقاربي وصديقاتي. ظل نظام صالح الإجرامي يكدسها في الجبال لثلاثة عقود من الزمن حول مدينة يكتظ بها نحو 3 ميلون نسمة. ولا أخفي عن القارئ أيضاً شعوري المرعب المشابه الذي خالجني أثناء محاولة دخول الحوثيين لشارع المعلا الرئيسي في العاصمة عدن, وتبادلإطلاق النار الذي عايشته مع أسرتي وبعض الأصدقاء طوال ليل الرابع من إبريل عام2015م, والذي استفقت بعده على ضوء شمسٍ حزينة أنظر من نافذة المنزل ودبابات  ميليشيا الحوثي وصالح قد سيطرت على الشارع, وكان الكثير من شباب المقاومة في عدنقد سقطوا ليلتها دفاعاً عن المدينة.

في كل مدينة وبقعة وزاوية هناك قصة لا تنسى عاشتها امرأة في هذا الوطن, قد تكون قصص مأساوية فقدن فيها أغلى ما يملكن من آباء و أبناء و أزواجوأخوة في جبهات الحرب, أو أمهات وأخوات وأطفال في بيوتهن, وقد تكون قصص بطولية خرجن بها من رحم المعاناة والألم وقمن فيها بأدوار مشرّفة لإنقاذ مدينتهن وانتشالها من وحل الجنون والوحشية التي ألمّت بها وبسكانها.

دائماً ما تكون المرأة أحد أبرز ضحايا الحرب إلى جانب الأطفال وكبارالسن في كل العصور وعبر قصص التاريخ , لم يكن سهلاً عليها مجابهة كل ذلك الألموالتعايش معه في كل مرة, بدءأً من بيعها والإتجار بجسدها وتعذيبها و تجنيدها أثناءالحروب وانتهاءاً باعتقالها وتشويهها جسدياً ونفسياً ثم قتلها. ولم يقتصر ذلك علىالحروب فقط, ففي كل الأزمنة كانت معاناة المرأة حاضرة, فقد عانت أيضاً من التمييزالعنصري بسبب عرقها أو طبقتها ودينها وفئتها, وعانت منه أكثر بالعنف الجسدي والنفسي من محيطها المجتمعي والأسري وبسبب سطوة الرجل عليها نتاج بعض الموروثات والعادات السائدة في بعض الدول منها اليمن.ازرع الأمل قبل القمح, عبارة كتبته انساء ألمانيات على بقايا الجدران المحطمة بعد أن استسلمت ألمانيا للحلفاء في الحرب العالمية الثانية عام 1945م, حيث سقط فيها الكثير من الرجال آنذاك ولم يكن هناك أيوجود للدولة بعد، فنهضت النساء بألمانيا وهنّ يزرعن الأمل والإيمان في قلوبٍ كانتقد حطمتها رصاصات الحرب, بأن هناك غدٍ أجمل إن تعاون الجميع على إحياءه, وبالفعلنهضت ألمانيا وأصبحت في مصاف الدول المتقدمة بسبب النساء.

وكذلك هي المرأة بعد تحرير عدن من غزاة الحوثي وصالح في الجنوب, حيثكانت فكرة النهوض شبه مستحيلة بعد كل الخراب الذي حل بالمدينة, ورغم ذلك نهضت بهاو استعادة معها نفسها ونشاطها ورفعت همم من حولها, فكانت لها بصمات واضحة ودور هامأثناء وبعد الحرب في دعم الأمن والاستقرار, ومناهضة العنف والتطرف عبر مساهمتهاالفعالة في العديد الأنشطة التوعوية والإرشادية التي تدعو لبناء البلاد وعدم الالتفات للوراء.

ورغم كل ما قد تحفظه ذاكرة كلُ منا عن هذه الحرب أو سواها على مرالتاريخ المعاصر, إلا أنها لن تكسر إرادتنا كنساء نحلم بوطن حر مستقل نبني فيه كلما أملنا وسعينا لأجله منذ سنوات طويلة, وطن ننتمي إليه وننمّيه بالحب والإخلاصوالعمل, وهذا ما قد يكون إن واصلنا على زراعة الأمل والقوة لكل من هم حولنا.