كتابات وآراء


09 فبراير, 2017 08:47:00 م

كُتب بواسطة : نجاح الشامي - ارشيف الكاتب


ظلت مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني العالمية، أعواماً، تكافح من أجل فرض الكوتا، بإقامة الدورات التأهيلية وورش العمل، وإعداد البرامج السياسية وتوعية النساء على مستوى الأحزاب بالنضال من أجل حفنة من الحقوق والحريات. لكن ثورة فبراير تخطت الكوتا والحسابات الدولية التي عملت على تقنين المرأة ودورها عبر نسب وأرقام، فجعلت منها شريكاً مهماً ومنافساً قوياً للرجل دون شروط أو نسب. جاء الربيع العربي وانتشل المرأة من تقوقعها القسري، الذي فرضته التقاليد والأعراف أحياناً ووصاية المجتمع الذكوري أحياناً أخرى. حررت ثورات الربيع في تونس ومصر واليمن المارد الساكن فيها، وكانت لها كلمة الفصل في إسقاط الأنظمة المستبدة. وبهذا صاغت المرأة الرأي العام في حالة أكثر اتساقاً وصوابية بصدق ما قدمته، بعيداً عن التمترس الموجه. وبرغم نمط التفكير الذكوري والدوني لبعض الأحزاب والجماعات المشاركة في الثورة، ومحاولات قولبة العمل الثوري في التقليل من شأنها ودورها وتحجيمها وإرغامها على المكوث في مربعات محددة في ساحات وميادين الحرية، إلا أن مساعي هذه الأحزاب والجماعات باءت بالفشل وقوبلت بالرفض والسخرية.

لذلك، عندما كُتب لثورة الحادي عشر من فبراير أن تولد، ذابت كل الفئات والأجناس والألوان أمام عظمة هذا الحدث الجلل، الذي قلب حال اليمن رأساً على عقب، ووضع الجميع في الواجهة نحو تحقيق الهدف المنشود في بناء الدولة المدنية العادلة، مهما كلف ذلك من تضحيات جسام. دخلت المرأة غمار الثورة بعفويتها، شجاعة ومناضلة بالفطرة، في حين كان السياسيون قد صنفوها مسبقاً الحلقة الأضعف في الفعل الثوري. لكنها فاجأت العالم بصمودها وحنكتها، فوضعت، إلى جانب الشباب، أول لبنة في ساحات الإعتصام، وشاركت وحشدت لأولى المسيرات والاحتجاجات والاعتصامات. صنعت الوعي الثوري كمدربة ومرشدة ومعلمة، وشاركت في الفعل الثوري كناشطة وحقوقية وسياسية وإعلامية وممرضة وموثقة أيضاً لجرائم وانتهاكات قام بها النظام ضد المتظاهرين السلميين. تعرضت للتشهير والتشويه والاختطاف والقتل، ولم يرهبها الهجوم الوحشي والعنف المفرط باستخدام الرصاص الحي وبشكل سافر من استكمال مسيرتها النضالية، بل واجهت إرهاب النظام وهمجيته بصلابة ودون اكتراث للموت. ظلت كل امرأة في فبراير تنظر للمستقبل بحدسٍ وفطنة

وحين زادت حدة العنف ضد نساء الثورة بعد مجزرة ساحة الحرية في تعز، بإطلاق قوات النظام المتمركزة في حي الثورة لقذيفة دبابة باتجاه الساحة أثناء تأدية المعتصمين صلاة الجمعة يوم 11 - 11 - 2011، راح ضحية هذا الإعتداء ثلاث نساء هن تفاحة العنتري، ياسمين الأصبحي، زينب العديني، فيما جرحت الشابة زينب المخلافي جروحاً بالغة في قدميها. إستشهدت راوية الشيباني، وسقط عدد من الشباب بالرصاص الحي أثناء مرورهم بمسيرة سلمية جوار جولة المرور، حين كان القتلة من أفراد القوات الخاصة والحرس الجمهوري يتمترسون حولها. ولفظت عزيزة الدهبلي أنفاسها ذات صباح حين خرجت ضمن مجموعة من النساء في مسيرة سلمية عبرت أزقة حي وادي المدام، برصاص أحد القتلة المتربصين بالشباب والثورة. إستنكرت المنظمات الإنسانية والحقوقية وأيضاً التحالف الدولي لملاحقة جرحى الحرب جرائم النظام بحق النساء والأطفال، ورصدت جرحى الثورة من النساء اللواتي تعدين حينها العشرات، واعتبرتها جرائم ضد الإنسانية تستوجب العقاب ولا تسقط بالتقادم. ولم يثنها كل ذلك عن مواصلة نضالاتها فأرعبت النظام وزلزلت أركانه.

لم تحسب للمجهول حساباً ولم تدخر للحرب خنجراً، هكذا أسست لدولة العدل والقانون التي يحلم بها الجميع. إنطلقت من قوقعة العيب والعورة وخانات الخطيئة وعاهات المجتمع التي سموها تقاليد وأعرافاً ظالمة، لتطرق أول مسمار في خيمة فبراير المجيد. كانت النساء يتوافدن نحو المسيرات السلمية لحماية الرجال من رصاصات القتلة، وكن يصنعن الطعام، ويتبرعن بالأمل والمال والدواء ويتضرعن بالدعاء لينتصر الحلم، وليس أصدق من دعائهن دعاء! ظلت كل امرأة في فبراير تنظر للمستقبل بحدسٍ وفطنة، حتى الأقل تعليماً وثقافة كانت أيضاً سباقةً وفي المقدمة تصنع اليمن الجديد، شريكة قوية في أول مؤتمر ثوري يجسد فبراير في محافظة تعز، والذي انبثق عنه المجلس الثوري الحامل الحقيقي للثورة والتكتلات والحركات والروابط الثورية.

صارت قيادية بارزة أيضاً، ورائدة في تقرير المصائر وصياغة رؤى الحاضر والمستقبل. ولم يكن الإنتقال من الفعل الثوري إلى العمل السياسي عبر الحوار الوطني إلا استمراراً لتميزها ودورها البارز في إنجاحه ومخرجاته، ولو أنها مُثلت بمقاعد ظالمة. وظلت عظمة المرأة دليلاً دامغاً للسلام والتحضر والحكمة في عمر فبراير العظيم، فلما غُيبت ظهر المجتمع بعمى القلب والبصيرة مغشياً عليه، غاضباً مدججاً بالسلاح، وضاعت البلاد في معمعة الفوضى والاقتتال.